الجميلة والوحش

أتخيل أن أي قارئ لهذا العنوان» الجميلة والوحش «أول ما يتبادر إلى ذهنه تلكم القصة التي قراها كثير منا أو تابعها كمسلسل تلفزيوني لا الجميلة التي أرغب في الحديث غير تلك والوحش ذاك ،حيث أن تلك الجميلة كان يرعاها الوحش رغم قسوته مع غيرها على ما أذكر …عكس جميلتي أنا –جميلتكم- قد يكون الوحش أي أحد منا مارس بقصد أو عن غير قصد أي فعل يدنس شرف الجميلة أو يسبب لها أذى …إنها الشجرة …تلك الحسناء في خدرها …النعمة التي من بها الله على عباده ،النعمة الأبدية التي مهما أحصيت فضائلها لا أقدر على حصرها في هذه العجالة ..فلا ثمارها ولا ظلها أو طرحها أنقى النسيم ومنعها وصدها لكثير من الكوارث الطبيعية كالتصحر وانجراف التربة فلا شيء من هذا القبيل أولى بذكره من الآخر وما فاتني أعظم .
لقد حبانا الله عز وجل في جزائرنا الحبيبة بغابات شاسعة متنوعة من شتى ضروب الشجر كفلين وأرز وصنوبر وبلوط وأشجار مثمرة بفواكه من أجود ما جادت به قدرة العزيز الكريم وفضلنا الله على الكثير من أرضه بهذه النعمة
وحتى لا أتوه أكثر وأتفوه بما لم تشاهده عيناي سأعود بكم أدراجي إلى حيث هنا وما أدراك ما هنا.
إلى مدينتي – برج أحريص – هذه المدينة الهادئة -لمن لا يعرفها – التي صارت تفقد بريقها شيئا فشيئا فلا هي في مستوى المدن وتنصلت من جمال الريف .
لقد كانت هذه المدينة فخر قاطنيها، لما حباها الله به من ثروة غابية نادرة كانت بمثابة الرئة للمدينة وكثير من المناطق المجاورة لها وأذكر كما يذكر غيري أن عائلات كثر في الولايات الأخرى كانت تزور أقاربها صيفا وربيعا فقط للتمتع بنسيم الغابة ….لكن…ها هو ذا الوحش وصل..فقد طالت يد الإنسان هذه الثروة الرائعة بفساد وتشويه وتخريب ،فقطعت الأشجار من فلاحين بحجة توسعة الأراضي الزراعية الموجودة بالقرب من الغابة وانهمك شباب وشيوخ في قطع الأشجار لاستعمالها في أعمال البناء وأصبحت مصدر رزق لهم وتكالب الكل على الجميلة بلا رحمة ، وتواطأ جميعنا بسكوتنا عن هذا الظلم وقل تدخل الجهات المختصة وحتى اكونا كثر تحديدا منهم من هو متهم بشكل أو آخر في غض الطرف عن أولئك »الوحوش « ويعلم الله وحده ثمن ذلك التواطؤ ويعلمه أناس آخرون كذلك… ‼!
لسنا هنا بصدد تلفيق تهم لأي كان ولن نبخس الناس أشياءهم فلا ينكر مجهودات الدولة إلا جاحد لتوفيرها الكثير من الإمكانات لحماية هذه الثروة بدليل حملات التشجير الكثير وتدعيم قطاع حراس الغابات والحماية المدنية بإمكانيات مادية وبشرية غير أن المراقبة تبقى دون المستوى المطلوب ، ماترك الفرصة لأهل الفساد لعمل مالا يرضاه عاقل وقد برز بارونات »الحطب« بدون رادع أو رقيب كقوة لا تعترف بأحد.
حتى شبح الحرائق صار يهدد بشكل خطير هذه الرئة التي نتنفس بها ودليل تلك الأرقام المهولة لعشرات الهكتارات التي طالها شبح الحرائق عبر الوطن في حرائق أكثر، متسبب فيها أيادي لبشر مثلنا طيبون مثلنا ويحبون الله مثلنا وينامون مثلنا …منهم من تسبب عن غير قصد لإهمال في ترك بعض مسببات الحريق في المساحات الغابية كولاعات السجائر وقطع الزجاج ورمي أعقاب السجائر عند التنزه أو غير ذلك من الأمور والطامة الكبرى من يفعل ذلك بقصد ليضمن بعد ذلك بيعا مربحا لتلك المساحات التي طالها الحرق بأسعار غير مكلفة من مصالح الغابات في استعمالات عدة لتلك المادة.
لب القول..لا شك أن هذا الأمر يستدعي تجنيدا على أكثر من صعيد ويوجب تدخل أطراف عدة مسؤولة بدءا من المواطن العادي والمدرس في المدرسة والمسؤولين المحليين في أكثر من جهاز إداري وامني وحتى الأئمة في المساجد مدعوون بقوة لإبراز هذه الآثار السلبية لعامة الناس خاصة إذا علمنا أن بعض المتفيقهون الخائضين في أمور الدين والدنيا بلا علم أو ورع يقولون على الله الكذب باستدلالهم في هذه المسالة أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون مصلحة ومدام الإنسان يستفيد من هذا الشيئ فلا حرج في قطع الشجر لمصلحة ما ودليلهم على ذلك قوله تعالى)الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا انتم منها توقدون( حاشى لله أن يرض لعباده الفساد في الأرض وماذاك إلا عجز عن هؤلاء على فهم روح الدين الإسلامي.
إننا نهيب بكل الناس مهما كانت مواقعهم على قول كلمة الحق في وجه كل من سولت له نفسه إفساد هذا الجمال الذي حبانا الله به في غاباتنا ونهيب بكل لمسؤولين بأخذ الأمر بشكل أكثر حزما مع من سولت له نفسه اذاية الجميلات وإنزال اشد العقاب بكل وحش سولت له نفسه إيذائهن